ثم بين- سبحانه- مظهرا من مظاهر عدالته، وسنة من سننه التي كتبها على نفسه فقال- تعالى-: وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا ...
والمراد ب أُمِّها أكبرها وأعظمها كمكة بالنسبة للجزيرة العربية.
أى: إن حكمة الله- تعالى- وعدالته قد اقتصت، أن لا يهلك قرية من القرى التي كفر أهلها، حتى يبعث في كبرى تلك القرى وأصلها رسولا من رسله الكرام، يتلو على أهلها آياته، ويبلغهم دعوته، ويبين لهم الحق من الباطل.
وحكمة إرسال الرسول في كبرى تلك القرى، لأنها المركز والعاصمة، التي تبلغ الرسالة إلى القرى التابعة لها، ولأنها في العادة- المكان المختار لسكنى وجهاء القوم ورؤسائهم.
قال ابن كثير ما ملخصه: وفي هذه الآية دلالة على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم المبعوث من أم القرى- وهي مكة-، رسول إلى جميع القرى من عرب وأعجام، كما قال- تعالى-:
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها..، وقال- تعالى-:
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً. وثبت في الصحيحين أنه قال: بعثت إلى الأحمر والأسود، ولذا ختم به الرسالة والنبوة، فلا نبي بعده، ولا رسول، بل شرعه باق بقاء الليل والنهار إلى يوم القيامة، .
وقوله- سبحانه-: وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ معطوف على ما قبله. وهو قوله: وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى ومؤكد له.
أى: وما كنا في حال من الأحوال بمهلكى هذه القرى، إلا في حال ظلم أهلها لأنفسهم، عن طريق تكذيبهم لرسلنا وإعراضهم عن آياتنا، وإيثارهم الكفر على الإيمان.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ.