ثم صورت السورة الكريمة تصويرا بديعا مؤثرا، ما كانت عليه أم موسى من لهفة وقلق، بعد أن فارقها ابنها، فقال- تعالى-: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً ... أى: وبعد أن ألقت أم موسى به في اليم، والتقطه آل فرعون، وعلمت بذلك أصبح قلبها وفؤادها خاليا من التفكير في أى شيء في هذه الحياة، إلا في شيء واحد وهو مصير ابنها موسى- عليه السلام-.
وفي هذا التعبير ما فيه من الدقة في تصوير حالتها النفسية، حتى لكأنها صارت فاقدة لكل شيء في قلبها سوى أمر ابنها وفلذة كبدها.
قال ابن كثير: قوله- تعالى-: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً من كل شيء من أمور الدنيا إلا من موسى. قاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وقتادة.... وغيرهم .
وإِنْ في قوله- تعالى-: إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن، وتبدى بمعنى تظهر، من بدا الشيء يبدو بدوا وبداء إذا ظهر ظهورا واضحا.
والضمير في بِهِ يعود إلى موسى- عليه السلام-.
أى: وصار فؤاد أم موسى فارغا من كل شيء سوى التفكير في مصيره، وإنها كادت لتصرح للناس بأن الذي التقطه آل فرعون، هو ابنها، وذلك لشدة دهشتها وخوفها عليه من فرعون وجنده.
وجواب الشرط في قوله- تعالى-: لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها محذوف دل عليه ما قبله.
أى: لولا أن ربطنا على قلبها بقدرتنا وإرادتنا. بأن ثبتناه وقويناه، لأظهرت للناس أن الذي التقطه آل فرعون هو ابنها.
وأصل الربط: الشد والتقوية للشيء. ومنه قولهم فلان رابط الجأش، أى: قوى القلب.
وقوله- تعالى-: لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ علة لتثبيت قلبها وتقويته، فهو متعلق بقوله:
رَبَطْنا.
أى: ربطنا على قلبها لتكون من المصدقين بوعد الله- تعالى-، وأنه سيرد إليها ابنها، كي تقر عينها ولا تحزن.