تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  الصافات الأية 12


سورة Sura   الصافات   As-Saaffaat
الصافات As-Saaffaat
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ (7) لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقَالُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ (15) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ (19) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَٰذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) ۞ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ (24)
الصفحة Page 446
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)

قوله تعالى : " بل عجبت " قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم بفتح التاء خطابا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، أي : بل عجبت مما نزل عليك من القرآن وهم يسخرون به . وهي قراءة شريح وأنكر قراءة الضم وقال : إن الله لا يعجب من شيء ، وإنما يعجب من لا يعلم . وقيل : المعنى بل عجبت من إنكارهم للبعث . وقرأ الكوفيون إلا عاصما بضم التاء . واختارها أبو عبيد والفراء ، وهي مروية عن علي وابن مسعود ، رواه شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ : " بل عجبت " بضم التاء . ويروى عن ابن عباس . قال الفراء في قوله - سبحانه - : بل عجبت ويسخرون قرأها الناس بنصب التاء ورفعها ، والرفع أحب إلي ; لأنها عن علي وعبد الله وابن عباس . وقال أبو زكريا الفراء : العجب إن أسند إلى الله - عز وجل - فليس معناه من الله كمعناه من العباد ، وكذلك قوله : الله يستهزئ بهم ليس ذلك من الله كمعناه من العباد . وفي هذا بيان الكسر لقول شريح حيث أنكر القراءة بها . روى جرير والأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال : قرأها عبد الله ، يعني : ابن مسعود بل عجبت ويسخرون قال شريح : إن الله لا يعجب من شيء ، إنما يعجب من لا يعلم . قال الأعمش : فذكرته لإبراهيم فقال : إن شريحا كان يعجبه رأيه ، إن عبد الله كان أعلم من شريح وكان يقرؤها عبد الله " بل عجبت " . قال الهروي : وقال بعض الأئمة : معنى قوله : " بل عجبت " بل جازيتهم على عجبهم ; لأن الله تعالى أخبر عنهم في غير موضع بالتعجب من الحق ، فقال : وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال : إن هذا لشيء عجاب ، أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم فقال تعالى : " بل عجبت " بل جازيتهم على التعجب .

قلت : وهذا تمام معنى قول الفراء واختاره البيهقي . وقال علي بن سليمان : معنى القراءتين واحد ، التقدير : قيل يا محمد بل عجبت ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مخاطب بالقرآن . النحاس : وهذا قول حسن ، وإضمار القول كثير . البيهقي : والأول أصح . المهدوي : ويجوز أن يكون إخبار الله عن نفسه بالعجب محمولا على أنه أظهر من أمره وسخطه على من كفر به ما يقوم مقام العجب من المخلوقين ، كما يحمل إخباره تعالى عن نفسه بالضحك لمن يرضى عنه - على ما جاء في الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على أنه أظهر له من رضاه عنه ما يقوم له مقام الضحك من المخلوقين مجازا واتساعا . قال الهروي : ويقال معنى ( عجب ربكم ) أي : رضي وأثاب ، فسماه عجبا وليس بعجب في الحقيقة ، كما قال تعالى : " ويمكر الله " معناه ويجازيهم الله على مكرهم ، ومثله في الحديث عجب ربكم من إلكم وقنوطكم . وقد يكون العجب بمعنى وقوع ذلك العمل عند الله عظيما . فيكون معنى قوله : " بل عجبت " أي : بل عظم فعلهم عندي . قال البيهقي : ويشبه أن يكون هذا معنى حديث عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : عجب ربك من شاب ليست له صبوة وكذلك ما خرجه البخاري عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل قال البيهقي : وقد يكون هذا الحديث وما ورد من أمثاله أنه يعجب ملائكته من كرمه ورأفته بعباده ، حين حملهم على الإيمان به بالقتال والأسر في السلاسل ، حتى إذا آمنوا أدخلهم الجنة . وقيل : معنى " بل عجبت " بل أنكرت . حكاه النقاش . وقال الحسين بن الفضل : التعجب من الله إنكار الشيء وتعظيمه ، وهو لغة العرب . وقد جاء في الخبر عجب ربكم من إلكم وقنوطكم . ويسخرون قيل : الواو واو الحال ، أي : عجبت منهم في حال سخريتهم . وقيل : تم الكلام عند قوله : بل عجبت ثم استأنف فقال : ويسخرون أي : مما جئت به إذا تلوته عليهم . وقيل : يسخرون منك إذا دعوتهم .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022