وقصة إبراهيم- عليه السلام- مع قومه، قد وردت في سور متعددة منها: سورة البقرة، والعنكبوت، والصافات.
وهنا تحدثنا سورة الأنبياء عن جانب من قوة إيمانه- عليه السلام- ومن سلامة حجته ومن تصميمه على تنفيذ ما يرضى الله- تعالى- بالقول والعمل.
والمراد بالرشد: الهداية إلى الحق والبعد عن ارتكاب ما نهى الله- تعالى- عنه.
والمراد بقوله- تعالى- مِنْ قَبْلُ أى: من قبل أن يكون نبيا.
والمعنى: ولقد آتينا- بفضلنا وإحساننا- إبراهيم- عليه السلام- الرشد إلى الحق، والهداية إلى الطريق المستقيم، «من قبل» أى: من قبل النبوة بأن جنبناه ما كان عليه قومه من كفر وضلال.
وقد اكتفى الإمام ابن كثير بهذا المعنى في قوله- تعالى- مِنْ قَبْلُ فقال: يخبر- تعالى- عن خليله إبراهيم- عليه السلام-، أنه آتاه رشده من قبل.
أى: من صغره ألهمه الحق والحجة على قومه، كما قال- تعالى-:وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ.. .
ومن المفسرين من يرى أن المقصود بقوله- تعالى- مِنْ قَبْلُ أى: من قبل موسى وهارون، فقد كان الحديث عنهما قبل ذلك بقليل في قوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ ...
فيكون المعنى: ولقد آتينا إبراهيم رشده وهداه، ووفقناه للنظر والاستدلال على الحق، من قبل موسى وهارون، لأنه يسبقهما في الزمان.
وقد رجح هذا المعنى الإمام الآلوسى فقال: وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ» .
أى: الرشد اللائق به وبأمثاله من الرسل الكبار، وهو الرشد الكامل، أعنى: الاهتداء إلى وجوه الصلاح في الدين والدنيا.. «من قبل» أى: من قبل موسى وهارون، وقيل: من قبل البلوغ ... والأول مروى عن ابن عباس وابن عمر، وهو الوجه الأوفق لفظا ومعنى، أما لفظا فللقرب، وأما معنى فلأن ذكر الأنبياء- عليهم السلام- للتأسى، وكان القياس أن يذكر نوح ثم إبراهيم ثم موسى، لكن روعي في ذلك ترشيح التسلي والتأسى، فقد ذكر موسى، لأن حاله وما قاساه من قومه.. أشبه بحال نبينا صلّى الله عليه وسلّم
ويبدو لنا أن الآية الكريمة تتسع للمعنيين. أى: أن الله- تعالى- قد أعطى إبراهيم رشده، من قبل النبوة، ومن قبل موسى وهارون لسبقه لهما في الزمان.
وقوله: وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ بيان لكمال علم الله- تعالى- أى: وكنا به وبأحواله وبسائر شئونه عالمين، بحيث لا يخفى علينا شيء من أحواله أو من أحوال غيره.