والمراد بذي النون: يونس بن متى- عليه السلام-، والنون: الحوت. وجمعه نينان وأنوان. وسمى بذلك لابتلاع الحوت له.
قال- تعالى-: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ..
.
وملخص قصة يونس «أن الله- تعالى- أرسله إلى أهل نينوى بالعراق في حوالى القرن الثامن قبل الميلاد، فدعاهم إلى إخلاص العبادة لله- عز وجل- فاستعصوا عليه، فضاق بهم ذرعا، وتركهم وهو غضبان ليذهب إلى غيرهم، فوصل إلى شاطئ البحر، فوجد سفينة فركب فيها، وفي خلال سيرها في البحر ضاقت بركابها، فقال ربانها: إنه لا بد من أحد الركاب يلقى بنفسه في البحر لينجو الجميع من الغرق. فجاءت القرعة على يونس، فألقى بنفسه في اليم فالتقمه الحوت.. ثم نبذه إلى الساحل بعد وقت يعلمه الله- تعالى-، فأرسله- سبحانه- إلى قومه مرة أخرى فآمنوا.
وسيأتى تفصيل هذه القصة في سورة الصافات- بإذن الله-.
والمعنى: واذكر أيها المخاطب لتعتبر وتتعظ- عبدنا ذا النون. وقت أن فارق قومه وهو غضبان عليهم، لأنهم لم يسارعوا إلى الاستجابة له.
قال الجمل: وقوله: إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً أى: غضبان على قومه، فالمفاعلة ليست على بابها فلا مشاركة كعاقبت وسافرت، ويحتمل أن تكون على بابها من المشاركة، أى غاضب قومه وغاضبوه حين لم يؤمنوا في أول الأمر» .
وقوله- تعالى-: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ بيان لما ظنه يونس- عليه السلام- حين فارق قومه غاضبا عليهم بدون إذن من ربه- عز وجل-.
أى: أن يونس قد خرج غضبان على قومه لعدم استجابتهم لدعوته فظن أن لن نضيق عليه، عقابا له على مفارقته لهم من غير أمرنا، أو فظن أننا لن نقضي عليه بعقوبة معينة في مقابل تركه لقومه بدون إذننا.
فقوله: نَقْدِرَ عَلَيْهِ بمعنى نضيق عليه ونعاقبه. يقال: قدر الله الرزق يقدره- بكسر الدال وضمها- إذا ضيقه. ومنه قوله- تعالى-: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ .
وقوله: وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ. أى: ضيقه عليه.
ثم بين- سبحانه- ما كان يردده يونس وهو في بطن الحوت فقال: فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.
والفاء في قوله فَنادى فصيحة.
والمراد بالظلمات: ظلمات البحر، وبطن الحوت، والليل.
أى: خرج يونس غضبان على قومه. فحدث له ما حدث من التقام الحوت له، فلما صار في جوفه المظلم، بداخل البحر المظلم، أخذ يتضرع إلينا بقوله: أشهد أن لا إله إلا أنت يا إلهى مستحق للعبادة، سُبْحانَكَ أى: أنزهك تنزيها عظيما إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ لنفسي حين فارقت قومي بدون إذن منك. وإنى أعترف بخطئي- يا إلهى- فتقبل توبتي، واغسل حوبتي.
هذا وقد ذكر ابن جرير وابن كثير وغيرهما من المفسرين هنا روايات متعددة عن المدة التي مكثها يونس في بطن الحوت، وعن فضل الدعاء الذي تضرع به إلى الله- تعالى-، ومن ذلك ما رواه ابن جرير عن سعد بن أبى وقاص- رضى الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «باسم الله الذي إذا دعى به أجاب، وإذا سئل به أعطى، دعوة يونس بن متى» . قال: قلت: يا رسول الله، هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين؟ قال: «هي ليونس بن متى خاصة وللمؤمنين عامة، إذا دعوا بها. ألم تسمع قول الله- تعالى-:
فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ، وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ، وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ فهو شرط من الله لمن دعاه به» .