وقوله يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ بيان لأحوالهم القبيحة التي تجعلهم محل غضب الله وسخطه.
والاستخفاء معناه الاستتار. يقال استخفيت من فلان. أى: تواريت منه واستترت.
أى: أن هؤلاء الذين من طبيعتهم الخيانة والوقوع في الآثام يستترون من الناس عند ما يقعون في المنكرات حياء منهم وخوفا من ضررهم وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ
أى: ولا يشعرون برقابة الله عليهم، واطلاعه على جميع أحوالهم، بل يرتكبون ما يرتكبون من آثام بدون حياء منه مع أنه- سبحانه- هو الأحق بأن يستحى منه، ويخشى من عقابه.
وقوله وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً
بيان لشمول علمه- سبحانه- بكل حركاتهم وسكناتهم.
أى: أن هؤلاء الخائنين يرتكبون السوء بدون حياء من الله، مع أنه- سبحانه- معهم في كل حركاتهم وسكناتهم بعلمه واطلاعه على أقوالهم وأعمالهم ولا يخفى عليه شيء من أمرهم حين «يبيتون» أى يضمرون ويدبرون ويقدرون في أذهانهم مالا يرضاه الله- من القول كأن يرتكبوا المنكرات ثم يمسحونها في غيرهم حتى لا يفتضح أمرهم.
قال صاحب الكشاف: وكفى بهذه الآية ناعية على الناس ما هم فيه من قلة الحياء والخشية من ربهم، مع علمهم- إن كانوا مؤمنين- أنهم في حضرته لا سترة ولا غفلة ولا غيبة، وليس إلا الكشف الصريح والافتضاح.
وقوله يُبَيِّتُونَ
أى: يدبرون ويزورون وأصله أن يكون ليلا ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ
وهو تدبير طعمة أن يرمى الدرع في دار غيره.
فإن قلت: كيف سمى التدبير قولا وإنما هو معنى في النفس؟ قلت: لما حدث بذلك نفسه سمى قولا على المجاز. ويجوز أن يكون المراد بالقول: الحلف الكاذب الذي حلف به طعمة بعد أن بيته وتوريكه الذنب على اليهودي .
وقوله وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً
تذييل قصد به التهديد والوعيد. أى وكان الله- تعالى- محيطا إحاطة تامة بما يعمله هؤلاء الخائنون وغيرهم ولا يغيب عن علمه شيء من تصرفاتهم، وسيحاسبهم عليها يوم القيامة.