ثم بين- سبحانه- عاقبة كل من المحسن والمسيء فقال: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً.
أى: فمن جنس هؤلاء الحاسدين وآبائهم من آمن وصدق بما أعطاه الله لآل إبراهيم من كتاب وحكمه، ومنهم من كفر به وأعرض عنه وسعى في صد الناس عنه. فالضمير في بِهِ وعَنْهُ يعود إلى ما أوتى آل إبراهيم.
ويرى بعضهم أن الضمير يعود إلى إبراهيم- عليه السلام. فيكون المعنى:
فمن آل إبراهيم من آمن بإبراهيم ومنهم من أعرض عنه ولم يتبع تعاليمه.
وفي هذه الآية الكريمة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عما لقيه من اليهود من أذى.
فكأنه- سبحانه- يقول له: إن هؤلاء الحاسدين لك قد اختلفوا على من هم منهم، وأنت يا محمد لست منهم، فكيف تنتظر منهم أن يسالموك أو يتبعوك؟
وقوله وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً بيان لما أعده- سبحانه- للكافرين من عذاب.
أى: وكفى بجهنم نارا مسعرة أى: موقدة إيقادا شديدا يعذبون بها على كفرهم وعنادهم وصدودهم عن الحق. يقال: سعر النار- كمنع- وسعرها وأسعرها أى: أوقدها.
وكفى فعل ماض. وقوله بِجَهَنَّمَ فاعله على زيادة الباء فيه. وقوله سَعِيراً تمييز أو حال.
وبهذا نرى أن هذه الآيات الكريمة من قوله- تعالى- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ إلى قوله: وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً قد وبخت اليهود على بيعهم دينهم بدنياهم، وتحريفهم الكلم عن مواضعه واستهزائهم بدعوة الحق، وتزكيتهم لأنفسهم بالباطل، وافترائهم على الله الكذب، وتفضيلهم عبادة الأوثان على عبادة الله، وعلى بخلهم وحسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضله.
وقد توعدتهم على هذه الصفات الذميمة، والمسالك الخبيثة بأشد أنواع العذاب، وحذرت المؤمنين من شرورهم ومفاسدهم.
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك سوء عاقبة كل كافر، وحسن عاقبة كل مؤمن، فقال: