قال ابن كثير- رحمه الله-: لما ذكر- تعالى- أنه إنما حرم علينا الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، وإنما أرخص فيه عند الضرورة وفي ذلك توسعة لهذه الأمة التي يريد الله بها اليسر ولا يريد بها العسر-، ذكر- سبحانه- بعد ذلك ما كان حرمه على اليهود في شريعتهم قبل أن ينسخها، وما كانوا فيه من الآصار والتضييق والأغلال والحرج، فقال: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ...
أى: في سورة الأنعام في قوله: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ، وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ، ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ .
والمعنى: وعلى اليهود بصفة خاصة، دون غيرهم من الأمم، حرمنا بعض الطيبات التي سبق أن بيناها لك في هذا القرآن الكريم، وما كان تحريمنا إياها عليهم إلا بسبب بغيهم وظلمهم.
وفي الآية الكريمة إبطال لمزاعمهم، حيث كانوا يقولون: لسنا أول من حرمت عليه هذه الطيبات، وإنما كانت محرمة على نوح وإبراهيم وغيرهما ممن جاء بعدهما.
وقوله: مِنْ قَبْلُ متعلق بحرمنا، أو بقصصنا.
وبذلك يتبين أن ما حرمه الله- تعالى- على الأمة الإسلامية، كالميتة والدم ولحم الخنزير.. كان من باب الرحمة بها، والحرص على مصلحتها.. أما ما حرمه- سبحانه- على اليهود، فقد كان بسبب بغيهم وظلمهم.
وقوله- تعالى-: وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بيان لمظهر من مظاهر عدل الله- تعالى- في معاملته لعباده.
أى: وما ظلمنا هؤلاء اليهود بتحريم بعض الطيبات عليهم، ولكن هم الذين ظلموا أنفسهم، حيث تركوها تسير في طريق الشيطان، ولم يوقفوها عند حدود الله- تعالى-، فاستحقوا بسبب ذلك ما استحقوا من عقوبات.
وصدق الله إذ يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ .