والاستفهام في قوله- سبحانه-هلْ يَنْظُرُونَ..
إنكارى في معنى النفي.
«ينظرون» هنا بمعنى ينتظرون، من الإنظار بمعنى الإمهال، والضمير المرفوع يعود إلى أولئك المتكبرين الذين وصفوا القرآن بأنه أساطير الأولين، والذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، كما جاء في الآيات السابقة.
أى: ما ينتظر أولئك المتكبرون الذين لا يؤمنون بالآخرة، إلا أن تأتيهم الملائكة لنزع أرواحهم من أجسادهم، أو يأتى أمر ربك- أيها الرسول الكريم- بإهلاكهم، أو بإنزال العذاب بهم من حيث لا يشعرون.
وليس المراد من الجملة الكريمة، أنهم ينتظرون ذلك على سبيل الحقيقة، لأن إصرارهم على الكفر جعلهم يستهينون بهذا التهديد وإنما المراد أنهم حين أصروا على الكفر مع ظهور البراهين على بطلانه، صار حالهم كحال المترقب لنزول أحد الأمرين: قبض الملائكة لأرواحهم، أو نزول العذاب بهم.
فالجملة الكريمة تهديد لهم في تماديهم في الكفر، وتحريض لهم على الإيمان قبل فوات الأوان.
قال الجمل: و «أو» في قوله «أو يأتى أمر ربك» مانعة خلو، فإن كلا من الموت والعذاب يأتيهم وإن اختلف الوقت، وإنما عبر بأو دون الواو، للاشارة إلى كفاية كل واحد من الأمرين في تعذيبهم ... ».
وقوله- سبحانه-: ذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
. تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم من أذى.
أى: مثل هذا الفعل الشنيع الذي صدر عن الكافرين من قومك- يا محمد- فعل الذين من قبلهم من أقوام الرسل السابقين، كقوم نوح وقوم هود، وقوم صالح، فإنهم قد آذوا رسلهم. كما آذاك قومك.
وقد أنزلنا بهم ما يستحقون من عقاب دنيوى، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
وقوله- سبحانه- ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
. بيان لعدالة الله- تعالى- وأنه- سبحانه- لا يظلم الناس شيئا.
أى: وما ظلمهم الله حين أنزل بهم عقابه: ولكن هم الذين ظلموا أنفسهم بترديهم في الكفر، وإصرارهم عليه، ومحاربتهم لمن جاء لإخراجهم من الظلمات إلى النور.