ثم نهاهم- سبحانه- عن أن يبيعوا دينهم بدنياهم فقال- تعالى-: وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا.
والاشتراء هنا: استعارة للاستبدال، والذي استبدل به الثمن القليل هو الوفاء بعهد الله.
والمراد بعهد الله- تعالى-: أوامره ونواهيه التي كلفنا بالتزامها والعمل بمقتضاها.
والمراد بالثمن القليل: حظوظ الدنيا وشهواتها وزينتها من الأموال وغيرها.
والمعنى: ولا تستبدلوا بأوامر الله- تعالى- ونواهيه، عرضا قليلا من أعراض الدنيا الزائلة، بأن تنقضوا عهودكم في مقابل منفعة دنيوية زائلة.
وليس وصف الثمن بالقلة في قوله: ثَمَناً قَلِيلًا من الأوصاف المخصصة للنكرات، بل هو من الأوصاف اللازمة للثمن المحصل في مقابل عدم الوفاء بالعهد، إذ لا يكون إلا قليلا وإن بلغ ما بلغ من أعراض الدنيا بجانب رضا الله- تعالى-.
ورحم الله الإمام ابن كثير، فقد قال عند تفسيره لهذه الآية الكريمة: وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أى: لا تعتاضوا عن الأيمان بالله عرض الحياة الدنيا وزينتها، فإنها قليلة، ولو حيزت لابن آدم الدنيا بحذافيرها لكان ما عند الله هو خير له .
ثم رغبهم- سبحانه- فيما عنده فقال: إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
أى: إن ما ادخره الله- تعالى- لكم من ثواب عظيم، وأجر جزيل، وحياة طيبة، هو خير لكم من ذلك الثمن القليل الذي تتطلعون إليه، وتنقضون العهود من أجله، إن كنتم من أهل العلم والفطنة، الذين يؤثرون الباقي على الفاني.
قال الآلوسى: قوله إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أى: إن كنتم من أهل العلم والتمييز. فالفعل منزل منزلة اللازم. وقيل: متعد، والمفعول محذوف، وهو فضل ما بين العوضين، والأول أبلغ ومستغن عن التقدير .