وقوله يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ استئناف مبين لما هم عليه من سرور يتعلق بذواتهم. بعد أن بين- سبحانه- سرورهم بحال الذين لم يلحقوا بهم.
والمعنى أن هؤلاء الشهداء يستبشرون بحال إخوانهم الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم.
كما أنهم يستبشرون أيضا لأنفسهم بسبب ما أنعم الله به عليهم من نعم جزيلة وبسبب ما تفضل به عليهم من زيادة الكرامة، وسمو المنزلة.
وهذا يدل على أن هؤلاء الشهداء لا يهتمون بشأن أنفسهم فقط. وإنما يهتمون أيضا بأحوال إخوانهم الذين تركوهم في الدنيا، وفي ذلك ما فيه من صفاء نفوسهم، وطهارة قلوبهم، حيث أحبوا الخير لغيرهم كما أحبوه لأنفسهم، بل إن تقديم استبشارهم بحال إخوانهم على استبشارهم بما يتعلق بأنفسهم ليشعر بأن اهتمامهم بحال إخوانهم أشد من اهتمامهم بحال أنفسهم.
ويرى بعضهم أن الضمير في قوله يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ يعود على الذين لم يلحقوا بهم فتكون جملة يَسْتَبْشِرُونَ حالا من الذين لم يلحقوا بهم. وعليه يكون المعنى: أن هؤلاء الذين لم يلحقوا بهم لا خوف عليهم ولا حزن، فهم مستبشرون بنعمة من الله وفضل..» .
وقوله وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ معطوف على بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ، وهذا على قراءة الجمهور بفتح همزة أن على معنى وبأن.
والتقدير: يستبشرون بنعمة من الله وفضل وبأن الله- تعالى- لا يضيع أجر المؤمنين، وإنما سيعطيهم النصر والعزة والكرامة جزاء جهادهم.
وقرأ الكسائي «وإن الله لا يضيع أجر المؤمنين» ، بكسر همزة إن على الاستئناف والمقصود من الآية الكريمة بيان أن كل مؤمن يخاف مقام ربه وينهى نفسه عن الهوى، ويجاهد في سبيل إعلاء كلمة الله فإن الله- تعالى- لا يضيع شيئا من أجره، بل يعطيه من الجزاء الحسن- بفضله وإحسانه- أكثر مما يستحق.