ثم أصدر- سبحانه- حكمه الحاسم العادل في هذه القضية التي كثر الجدل فيها فقال:
إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ.
وقوله- تعالى- أَوْلَى أفعل تفضيل من الولي وهو القرب.
والمعنى: إن أقرب الناس من إبراهيم، وأخصهم به، وأحقهم بالانتساب إليه أصناف ثلاثة:
أولهم: بينه الله بقوله لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ أى الذين أجابوا دعوته في حياته واتبعوا دينه وشريعته بعد مماته.
وقد أكد الله- تعالى- حكمه هذا بحرف إِنَّ وبأفعل التفضيل أَوْلَى وباللام في قوله لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ليرد على أقاويل أهل الكتاب ومفترياتهم حيث زعموا أنه كان يهوديا أو نصرانيا.
وثانى هذه الأصناف: بينه- سبحانه- بقوله وَهذَا النَّبِيُّ والمراد به محمد صلّى الله عليه وسلّم الداعي إلى التوحيد الذي دعا إليه إبراهيم.
والجملة الكريمة من عطف الخاص على العام للاهتمام به. وللإشعار بأنه صلّى الله عليه وسلّم قد تلقى الهداية من السماء كما تلقاها إبراهيم- عليه السّلام- وثالث هذه الأصناف: بينه الله- تعالى- بقوله وَالَّذِينَ آمَنُوا أى: والذين آمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم واتبعوه.
وفي هذا تنويه بشأن الأمة الإسلامية، وتقرير بأن أتباع محمد صلّى الله عليه وسلّم أحق بالانتساب إلى إبراهيم من أهل الكتاب لأن المؤمنين طلبوا الحق وآمنوا به، أما أهل الكتاب فقد باعوا دينهم بدنياهم، وتركوا الحق جريا وراء شهواتهم.
وقوله وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ تذييل مقصود به تبشير المؤمنين بأن الله- تعالى- هو ناصرهم ومتولى أمورهم.
قال ابن كثير عند تفسيره لهذا الآية: يقول الله- تعالى- إن أحق الناس بمتابعة إبراهيم الخليل الذين اتبعوه على دينه، وهذا النبي يعنى محمدا صلّى الله عليه وسلّم والذين آمنوا من أصحابه المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بعدهم. فعن ابن مسعود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «إن لكل نبي ولاية من النبيين، وإن وليي منهم أبى خليل ربي عز وجل إبراهيم عليه السّلام. ثم قرأ: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ الآية .