ثم بين- سبحانه- حسن عاقبة المؤمنين إثر بيانه لسوء عاقبة الكافرين فقال: لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها.
وافتتحت الآية الكريمة بحرف «لكن» الذي معناه الاستدراك، لأن مضمونها ضد الكلام الذي قبلها. ولكي تكون هناك مقابلة بين عاقبة المشركين الفجار وبين عاقبة المؤمنين الأخيار.
والمعنى: هذا هو شأن الكافرين يتقلبون في البلاد لفترة قصيرة من الزمان هي مدة حياتهم في هذه الدنيا الفانية ثم يتركون كل شيء عند موتهم ليلاقوا مصيرهم المحتوم وهو عذاب جهنم الذي لا ينقطع.. لكن الذين اتقوا ربهم وخافوا مقامه ونهوا أنفسهم عن الهوى ليسوا كذلك فقد أعد الله لهم جنات تجرى من تحت قصورها وأشجارها الأنهار المليئة بأنواع المشارب الطيبة اللذيذة، وهم خالدون في تلك الجنات خلودا أبديا لا انقطاع له ولا زوال.. فأين مصير أولئك.
الأشرار من مصير هؤلاء الأخيار؟
فالآية الكريمة بيان لكمال حسن حال المؤمنين، إثر بيان سوء عاقبة الكافرين.
ثم قال- تعالى- نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ.
والنزل: ما يعد للنزيل والضيف لإكرامه والحفاوة به من طعام وشراب وغيرهما. وهو منصوب على أنه حال من «جنات» لتخصيصها بالوصف، والعامل فيه ما في الظرف من معنى الاستقرار.
أى لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها حالة كون هذه الجنات منزلا مهيئا لهم من عند الله- تعالى- على سبيل الإكرام لهم، والتشريف لمنزلتهم.
وقوله وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ أى ما عند الله من نعيم مقيم لعباده المتقين خير مما يتقلب فيه الكافرون من المتاع القليل الزائل.