ثم قال- سبحانه- وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ النبأ: كما يقول الراغب. خبر ذو فائدة عظيمة، يحصل به علم أو غلبة ظن .
والاستنباء: طلب الأخبار الهامة.
أى: إن هؤلاء الضالين يطلبون منك- أيها الرسول الكريم- على سبيل التهكم والاستهزاء، أن تخبرهم عن هذا العذاب الذي توعدتهم به، أهو واقع بهم على سبيل الحقيقة، أم هو غير واقع ولكنك تحدثهم عنه على سبيل الإرهاب والتهديد؟
وقوله: قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ إرشاد من الله- تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم إلى الجواب الذي يرد به عليهم.
ولفظ إِي بكسر الهمزة وسكون الياء- حرف جواب وتصديق بمعنى نعم، إلا أنه لا يستعمل إلا مع القسم.
أى: قل لهم يا محمد: نعم وحق ربي إن العذاب الذي أخبرتكم به لا محيص لكم عنه وما أنتم بمعجزى الله- تعالى- إذا أراد أن ينزله بكم في أى وقت يريده، بل أنتم في قبضته وتحت سلطانه وملكه، فاتقوا الله، بأن تخلصوا له العبادة، وتتبعوا رسوله صلى الله عليه وسلم فيما جاءكم به من عنده- سبحانه-.
وقد أكد سبحانه- الجواب عليهم بأتم وجوه التأكيد، لأنهم كانوا قوما ينكرون أشد الإنكار أن يكون هناك عذاب وحساب وبعث وجنة ونار.
قال ابن كثير: «وهذه الآية ليس لها نظير في القرآن إلا آيتان أخريان، يأمر الله- تعالى- رسوله فيهما أن يقسم به على من أنكر المعاد، أما الآية الأولى فهي قوله - تعالى-: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ.. وأما الآية الثانية فهي قوله- تعالى-: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ.. .
وجملة وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ إما معطوفة على جواب القسم، أو مستأنفة سبقت لبيان عجزهم عن الخلاص، وتأكيد وقوع العذاب عليهم.