ثم ذكر- سبحانه- جانبا من أهوال هذا اليوم، ومن أحوال الناس فيه فقال: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ.
والشقي: صفة مشبهة من الفعل شقي، وهو الشخص المتلبس بالشقاوة. والشقاء:
أى سوء الحال- بسبب إيثاره الضلالة على الهداية، والباطل على الحق ...
والسعيد: هو الشخص المتلبس بالسعادة، وبالأحوال الحسنة بسبب إيمانه وعمله الصالح.
والمعنى: حين يأتى هذا اليوم وهو يوم القيامة، لا تتكلم فيه نفس بأى كلام إلا بإذن الله- تعالى- ويكون الناس فيه منقسمين إلى قسمين: قسم شقي معذب بسبب كفره، وسوء عمله، وتفريطه في حقوق الله ...
وقسم سعيد منعم بسبب إيمانه: وعمله الصالح ...
فإن قيل: كيف نجمع بين هذه الآية التي تنفى الكلام عن كل نفس إلا بإذن الله وبين قوله- تعالى- يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها....
فالجواب: أن في يوم القيامة مواقف متعددة، ففي بعضها يجادل الناس عن أنفسهم، وفي بعضها يكفون عن الكلام إلا بإذن الله، وفي بعضها يختم على أفواههم، وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ...
وفي هذه الآية الكريمة إبطال لما زعمه المشركون من أن أصنامهم ستدافع عنهم، وستشفع لهم يوم القيامة.
قال الإمام ابن كثير: قوله- تعالى- يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ... أى:
يوم يأتى هذا اليوم وهو يوم القيامة، لا يتكلم أحد إلا بإذن الله- تعالى- كما قال- سبحانه- يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً .
وقال- سبحانه- وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً .
- في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويل: - «ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعوة الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم» .