ثم واصل شعيب- عليه السلام- نصحه لقومه، فأمرهم بالوفاء بعد أن نهاهم عن النقص على سبيل التأكيد، وزيادة الترغيب في دعوته فقال: وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ ...
أى: ويا قوم أوفوا عند معاملاتكم أدوات كيلكم وأدوات وزنكم، ملتزمين في كل أحوالكم العدل والقسط.
وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ ... أى: ولا تنقصوهم شيئا من حقوقهم. يقال:
بخس فلان فلانا حقه إذا ظلمه وانتقصه. وهو يشمل النقص والعيب في كل شيء..
والجملة الكريمة تعميم بعد تخصيص، لكي تشمل غير المكيل والموزون كالمزروع والمعدود، والجيد والرديء ...
قال الجمل ما ملخصه: وقد كرر- سبحانه- نهيهم عن النقص والبخس وأمرهم بالوفاء ... لأن القوم لما كانوا مصرين على ذلك العمل القبيح، وهو تطفيف الكيل والميزان ومنع الناس حقوقهم، احتيج في المنع منه إلى المبالغة في التأكيد، ولا شك أن التكرير يفيد شدة الاهتمام والعناية بالمأمور به والمنهي عنه، فلهذا كرر ذلك ليقوى الزجر والمنع من ذلك الفعل ... » .
وقوله: وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ تحذير لهم من البطر والغرور واستعمال نعم الله في غير ما خلقت له.
قال ابن جرير: «وأصل العثى شدة الإفساد، بل هو أشد الإفساد. يقال عثى فلان في الأرض يعنى- كرضى يرضى- إذا تجاوز الحد في الإفساد ... » .
أى: ولا تسعوا في أرض الله بالفساد، وتقابلوا نعمه بالمعاصي، فتسلب عنكم ثم أرشدهم إلى أن ما عند الله خير وأبقى مما يجمعونه عن الطريق الحرام فقال: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ.