والبينة: ما يتبين به الحق من الباطل، ويتميز به الهدى من الضلال.
أى: قال شعيب لقومه بأسلوب مهذب حكيم: يا قوم أخبرونى إن كنت على حجة واضحة، وبصيرة مستنيرة منحني إياها ربي ومالك أمرى.
وَرَزَقَنِي مِنْهُ- سبحانه-، رِزْقاً حَسَناً يتمثل في النبوة التي كرمني بها، وفي المال الحلال الذي بين يدي، وفي الحياة الطيبة التي أحياها.
وجواب الشرط محذوف والتقدير: أخبرونى إن كنت كذلك، هل يليق بي بعد ذلك أن أخالف أمره مسايرة لأهوائكم؟ كلا إنه لا يليق بي ذلك، وإنما اللائق بي أن أبلغ جميع ما أمرنى بتبليغه دون خوف أو تقصير.
ثم يكشف لهم عن أخلاقه وسلوكه معهم فيقول: وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ....
أى: ما أريد بأمرى لكم بعبادة الله وحده، وبنهيى إياكم عن التطفيف والبخس، مجرد مخالفتكم ومنازعتكم ومعاكستكم، أو أن آمركم بشيء ثم لا أفعله، أو أنهاكم عنه ثم أفعله، من أجل تحقيق منفعة دنيوية..
كلا، كلا إنى لا أريد شيئا من ذلك وإنما أنا إنسان يطابق قولي فعلى، وأختار لكم ما أختاره لنفسي.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه: قوله وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ يقال: خالفني فلان إلى كذا: إذا قصده وأنت مول عنه. وخالفني عنه: إذا ولى عنه وأنت تقصده.
ويلقاك الرجل صادرا عن الماء فتسأله عن صاحبه فيقول: خالفني إلى الماء، يريد أنه ذهب إليه واردا، وهو ذهب عنه صادرا، ومنه قوله- سبحانه: وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ يعنى: ما أريد أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستبد بها دونكم» .
وقال الإمام ابن كثير، وعن مسروق أن امرأة جاءت إلى ابن مسعود- رضى الله عنه- فقالت له: أأنت الذي تنهى عن الواصلة- أى التي تصل شعرها بشعر آخر-؟ قال:
نعم. فقالت: فلعله في بعض نسائك، فقال: ما حفظت إذا وصية العبد الصالح وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ .
ثم بين لهم أنه ما يريد لهم إلا الإصلاح فيقول: إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ....
أى: ما أريد بما أنصحكم به إلا إصلاحكم وسعادتكم، ومادمت أستطيع ذلك، وأقدر عليه، فلن أقصر في إسداء الهداية لكم.
ثم يفوض الأمور إلى الله- تعالى- فيقول: وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.
أى: وما توفيقي فيما أدعوكم إليه من خير أو أنهاكم عنه من شر إلا بتأييد الله وعونه، فهو وحده الذي عليه أتوكل وأعتمد في كل شئونى، وهو وحده الذي إليه أرجع في كل أمورى.