ولكن قوم صالح- عليه السلام- لم يستمعوا إلى تحذيره، بل قابلوه بالطغيان والعصيان، فَعَقَرُوها أى: فعقروا الناقة وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ .
والفاء معطوفة على محذوف: أى فخالفوا ما نهاهم عنه نبيهم فعقروها أى نحروها وأصل العقر: قطع عرقوب البعير، ثم استعمل في النحر لأن ناحر البعير يعقله ثم ينحره فقال لهم صالح- عليه السلام- بعد عقرها تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ.
والتمتع: الانتفاع بالمتاع، وهو اسم لما يحتاج إليه الإنسان في هذه الحياة من مأكل ومشرب وغيرهما.
والمراد بدارهم: أماكن سكناهم التي يعيشون فيها.
أى: قال لهم نبيهم بعد نحرهم للناقة: عيشوا في بلدكم هذا، متمتعين بما فيه من نعم لمدة ثلاثة أيام: فقط، فهي آخر ما بقي لكم من متاع هذه الدنيا، ومن أيام حياتكم.
ذلِكَ الوعد بنزول العذاب بكم بعد هذه المدة القصيرة.
وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ فيه لأنه صادر من الله- تعالى- الذي لا يخلف وعده.
وعبر عن قرب نزول العذاب بهم بالوعد على سبيل التهكم بهم.
قال الجمل: «مكذوب» يجوز أن يكون مصدرا على وزن مفعول، وقد جاء منه ألفاظ نحو: المجلود والمعقول والمنشور والمغبون، ويجوز أن يكون اسم مفعول على بابه وفيه تأويلان: أحدهما: غير مكذوب فيه، ثم حذف حرف الجر فاتصل الضمير مرفوعا مستترا في الصفة ومثله: يوم مشهود. والثاني: أنه جعل هو نفسه غير مكذوب، لأنه قد وفى به، وإذا وفي به فقد صدق».