ثم حكى- سبحانه- ما كان من إبراهيم بعد أن سكن خوفه، واطمأن إلى ضيوفه فقال: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ أى: الخوف والفزع، بسبب اطمئنانه إلى ضيوفه، وعلمه أنهم ليسوا من البشر.
وَجاءَتْهُ الْبُشْرى منهم بالولد، واتصال النسل، فازداد سرورا بهم.
بعد كل ذلك، أخذ إبراهيم يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ أى: يجادل رسلنا ويحاورهم في شأن قوم لوط، وفي كيفية عقابهم، بعد أن أخبروه بأنهم ذاهبون لإهلاكهم.
وأضاف- سبحانه- المجادلة إلى نفسه مع أنها كانت مع الملائكة، لأن نزولهم لإهلاك قوم لوط إنما كان بأمره- تعالى-، فمجادلة إبراهيم لهم هي مجادلة في تنفيذ أمره- تعالى-.
وقال- سبحانه- يُجادِلُنا مع أنها كانت في الماضي، لتصوير هذه الحالة في الذهن تصويرا حاضرا، حتى تزداد منه العبرة والعظة.
وهذه المجادلة التي كانت بين إبراهيم وبين الملائكة الذين أرسلوا لإهلاك قوم لوط، قد حكاها- سبحانه- في سورة العنكبوت في قوله: وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ أى القرية التي يسكنها قوم لوط إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ. قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً، قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ الآيتان 31- 32.
وهذا التفسير للمجادلة التي دارت بين إبراهيم والملائكة في عقاب قوم لوط هو الصحيح لأن خير تفسير للقرآن هو ما كان بالقرآن.
وما ورد من أقوال تخالف ذلك فلا يلتفت إليها، لعدم استنادها إلى النقل الصحيح.