ثم يحكى القرآن بعد ذلك ما كان من الهدهد، فقال: فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ أى فمكث الهدهد زمانا غير بعيد من تهديد سليمان له، ثم أتاه فقال له: أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ أى:
علمت أشياء أنت لم تعلمها. وابتدأ كلامه بهذه الجملة التي فيها ما فيها من المفاجآت لترغيبه في الإصغاء إليه، ولاستمالة قلبه لقبول عذره بعد ذلك.
قال صاحب الكشاف: «ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام، على ما أوتى من فضل النبوة والحكمة والعلوم الجمة، والإحاطة بالمعلومات الكثيرة، ابتلاء له في علمه،وتنبيها على أن في أدنى خلقه وأضعفه من أحاط علما بما لم يحط به، لتتحافر إليه نفسه، ويتصاغر إليه علمه، ويكون لطفا له في ترك الإعجاب الذي هو فتنة العلماء ... » .
وقوله: وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ تفسير وتوضيح لقوله قبل ذلك: أحطت بما لم تحط به، وسبأ في الأصل: اسم لسبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ثم صار بعد ذلك اسما لحى من الناس سموا باسم أبيهم، أو صار اسما للقبيلة، أو لمدينة تعرف بمأرب باليمن. بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال.
وقد قرأ بعضهم هذا اللفظ بالتنوين باعتباره اسم رجل، وقرأه آخرون بغير تنوين لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث.
أى: قال الهدهد لسليمان بادئا حديثه بما يشير إلى قبول عذره: علمت شيئا أنت لم تعلمه، وجئتك من جهة قبيلة سبأ بنبإ عظيم خطير، أنا متيقن من صدقه.