قال الإمام الرازي: اعلم انه- سبحانه- لما تمم الكلام في إثبات المبدأ والمعاد. ذكر بعد ذلك ما يتعلق بالنبوة، ولما كانت الدلالة الكبرى في إثبات نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم هو القرآن، لا جرم بين الله- تعالى- أولا كونه معجزة.. .
أى: إن هذا القرآن من معجزاته الدالة على أنه من عند الله- تعالى-، أنه يقص على بنى إسرائيل، الذين هم حملة التوراة والإنجيل، أكثر الأشياء التي اختلفوا فيها، ويبين لهم وجه الحق والصواب فيما اختلفوا فيه.
ومن بين ما اختلف فيه بنو إسرائيل: اختلافهم في شأن عيسى- عليه السلام-، فاليهود كفروا به، وقالوا على أمه ما قالوا من الكذب والبهتان، والنصارى قالوا فيه إنه الله، أو هو ابن الله، فجاء القرآن ليبين لهم القول الحق في شأن عيسى- عليه السلام-فقال: من بين ما قال: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ.. .
وقال- سبحانه-: يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ للإشارة إلى أن القرآن ترك أشياء اختلفوا فيها دون أن يحكيها، لأنه لا يتعلق بذكرها غرض هام يستدعى الحديث عنها، ولأن في عدم ذكرها سترا لهم، عما وقعوا فيه من أخطاء..