ثم انتقلت السورة الكريمة إلى لفت أنظارهم إلى حقائق كونية أخرى يشاهدونها بأعينهم، ويحسونها بحواسهم. فقال- تعالى-: أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً والقرار: المكان الذي يستقر فيه الإنسان، ويصلح لبناء حياته عليه.
أى: بل قولوا لنا- أيها المشركون: من الذي جعل هذه الأرض التي تعيشون عليها، مكانا صالحا لاستقراركم، ولحرثكم، ولتبادل المنافع فيما بينكم، ومن الذي دحاها وسواها وجعلها بهذه الطريقة البديعة.
ومن الذي جَعَلَ خِلالَها أى: جعل فيما بينها أَنْهاراً تجرى بين أجزائها، لتنتفعوا بمياه هذه الأنهار في شربكم، وفي غير ذلك من شئون حياتكم. ومن الذي جَعَلَ لَها رَواسِيَ أى: جعل لصلاح حالها جبالا ثوابت، تحفظها من أن تضطرب بكم.
ومن الذي: جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ أى: جعل بين البحر العذب والبحر الملح حاجِزاً يجعلهما لا يختلطان ولا يمتزجان.
ثم يأتى الاستفهام الإنكارى أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟ أى: أإله مع الله- تعالى- هو الذي فعل ذلك؟ كلا، ليس مع الله- تعالى- آلهة أخرى فعلت ذلك.
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أى: بل أكثر هؤلاء المشركين، لا يعلمون الأمور على وجهها الصحيح، لجهلهم، وعكوفهم على ما ورثوه عن آبائهم بدون تفكير أو تدبر.
وعبر بأكثرهم، لأن هناك قلة منهم تعلم الحق، لكنها تنكره جحودا وعنادا.